فاطمة لوصيف قصة 15 سنة من الكفاح ورفع السلاح
0وتعد المجاهدة الراحلة فاطمة لوصيف (زوجة البطل شبشوب الصادق) من مواليد 1922 بتكوت، باشرت النضال السياسي منذ منتصف الأربعينيات، حيث كانت من المساهمين الأوائل في الإعداد للكفاح المسلح، وذلك بتنقلها عبر جبال الأوراس من شيليا إلى أحمر خدو إلى إيش أزيزا تجمع الأسلحة وتساهم في إصلاح ذات البين بين الأهالي، وهذا بناء على ما تتمتع به من شخصية قوية وشجاعة نادرة. وخاضت السيدة فاطمة لوصيف (عيدة) خلال 15 سنة من الكفاح ورفع السلاح غمار العديد من المعارك الشهيرة، كمعركة الزقاق وتيفيراسين وأحمر خدو. وبعد استشهاد مصطفى بن بولعيد، واصلت فاطمة لوصيف رحلة التنقل رفقة زوجها الصادق شبشوب إلى عين زعطوط، حيث خاضت معركة حامية الوطيس، ثم إلى أمنطان ثم “إيش أزيزا” وساقية الشرفة، كان ذلك سنة 1957. وتقول المجاهدة فاطمة لوصيف التي توفاها الجل مطلع الألفية في شهادة أدلت بها للأستاذة فاطمة عبدلي: “في سنة 1959 توجهت رفقة زوجي الصادق شبشوب إلى الصحراء، وفي جبل القرون كان معنا عمر صخري من أمدوكال وسي الصالح من عين زعطوط، والهاشمي حديدي وحسني بزياني، وتوجهنا جميعا إلى جبل بوكحيل، حيث التقيت هناك بالقائد المرحوم شعباني، وهناك حضرت معركة طاحنة وكبيرة في منطقتي الكرمة وجريبيع بالجلفة”.
هذه قصة زواجها من البطل “قوزير” وظروفها بعد استشهاده
كانت البطلة فاطمة لوصيف قد تزوجت أول مرة في مقتبل شبابها لكن زواجها لم يدم طويلا، ولم تكن سعيدة فعادت إلى أهلها منكسرة الجناح. وحسب الأستاذ نجيب بن لمبارك فقد كان للأقدار أن لعبت دورها، حيث في إحدى المرَّات من عام 1947م زار الثائر الصادق شبشوب قرية تكوت وضواحيها، وقد كان وقتها من الخارجين على القانون الفرنسي منذ يوم 26 أفريل 1945، وملاحقا من طرف الدرك الاستعماري، ولما رآها لجمالها وخفَّة ظلها ونشاطها اختارها دون تردُّد طالبا إياها للزَّواج، فقبلت به زوجا لتشاركه أيضا بقضيته الوطنية، وهذا رغم الفارق في السن (قرابة العشرين سنة)، وحسب محدثنا فقد تزوَّج بها شرعا وعرفا ثم أخذها مباشرة دون زفاف ولا حفل يذكر. وكانت البطلة فاطمة لوصيف رفقة زوجها الثائر قوزير مضرب المثل في الوفاء والنضال والفداء والشجاعة والإقدام، حيث قال نجيب بن لمبارك لـ”الشروق” إنه يمكن القول دون تردد أن فاطمة لوصيف هي المجاهدة الوحيدة وطنيا (أي بالسلاح) التي شاركت في عمليات اندلاع الثورة رفقة زوجها. وقد عاشت فاطمة لوصيف رفقة زوجها قوزير مع المجاهدين وسط احترام وتقدير الجميع، حيث كان لهما مكانا منعزلا في نومهم أينما حلُّوا، لكنَّها بالمقابل كانت تشارك المجاهدين في كل شيء، ناهيك عن كونها امرأة ماهرة في فنِّ الطَّبخ، وهذا باعتراف المجاهد محمد الشريف عبد السلام. وقد واصلت المجاهدة فاطمة لوصيف الجهاد لغاية استشهاد زوجها قوزير يوم 20 أكتوبر 1961 بمشتة أمزدور بجبل بواري الواقعة في بلدية تاكسلانت (نقاوس بباتنة) رفقة عدد من خيرة قياديي الولاية التاريخية الأولى.
استقرت في بانيان ونفت أن يكون زوجها الثاني خائنا للثورة
وبعد استعادة الجزائر سيادتها، عاودت الزواج واستقرت في منطقة بانيان التابعة إداريا لولاية بسكرة، وعن الحادثة التي كان لها أثر كبير في تغيير مجرى حياتها، بعد استشهاد زوجها ورفيق عمرها الصادق شبشوب تقول: “حدث ذلك قبل وقف إطلاق النار بعدة أشهر، حيث كنا في نواحي نقاوس رفقة بعض رفقاء السلاح، وكنا في اجتماع كبير وضخم، لكننا تفاجأنا بتطويق القوات الاستعمارية للمكان الذي كنا فيه برا وجوا، فوقع الالتحام، وقاومنا في معركة لم تكن متكافئة، واستشهد زوجي الصادق شبشوب وسلاحه في يده رفقة ثمانية رفقاء آخرين، ونجوت رفقة محمد الشريف جار الله ومسعود عبيد من باتنة وبوزيد من سطيف، وكانت هذه آخر معركة شاركت فيها، والتحقت إثرها بالجبال مرة أخرى، وبقيت هناك إلى أن بزغ فجر الاستقلال فتوجهت نحو باتنة”. أما بخصوص قضية زواجها من شخص كان مع العسكر الفرنسي إبان الثورة، فسبق لها أن بررت قرارها في حديث للأستاذة فاطمة عبدلي قائلة: “اخترت عبد الله كزوج، لأنني متأكدة من نظافته، وعدم إساءته للثورة أو الثوار، ولقد كشفت لي عشرتي معه عن نبل أصله وطيبة معدنه، ذلك أنه لم يسئ إليّ ولو بكلمة نابية واحدة طيلة هذه السنوات”. وهو نفس الكلام الذي ذهب إليه المجاهد محمد الشريف عبد السلام في حديثه مع الأستاذ نجيب بن لمبارك: “كثيرا ما سمعت عن اتهام زوج المجاهدة فاطمة لوصيف الذي اختارته بعد استشهاد زوجها الأول الصادق شبشوب بكونه من الخونة، وبكوني أعرف سكان بانيان وتاريخهم الثوري فإني أؤكد أنه ليس خائنا”.
وقد عاشت المجاهدة البطلة فاطمة لوصيف حياة عادية بعد الاستقلال، إلى أن توفاها الأجل ليلة الفاتح نوفمبر 2001، وحسب المجاهد محمد الشريف عبد السلام فإن الفقيدة كانت مدعوة في ذلك اليوم الذي توفيت فيه من طرف رئاسة الجمهورية لتكريمها، ولما جاءت المرأة التي أرسلت لمرافقتها من بلدة بانيان (بسكرة) إلى الجزائر العاصمة وجدتها قد فارقت الحياة في ذلك اليوم، ورغم معاناتها من التهميش بعد الاستقلال، إلا أنه حدث بعض التدارك في السنوات الأخيرة من طرف السلطات العمومية التي أطلقت اسمها على مؤسسات عمومية منها الإقامة الجامعية 1000 سرير الجديدة ببسكرة، ومدرسة ابتدائية بقسنطينة.
* المقال للزميل الصحفي صالح سعودي مشكور على نشر تاريخ المجاهدة يما عيدة رحمها الله و اسكنها فسيح جنانه رفيقة أمي و أبي رحمهم الله في الثورة و في الاستقلال. للعلم اول من وثق للبطلة رحمها الله كان الاعلامي بن شنوف عبر التلفزيون الوطني